فصل: (فَصْلٌ) فِي ذِكْرِ النَّجَاسَاتِ وَمَا يُعْفَى عَنْهُ مِنْهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَصْلٌ) فِي ذِكْرِ النَّجَاسَاتِ وَمَا يُعْفَى عَنْهُ مِنْهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ:

(النَّجِسُ مَائِعٌ) لَا جَامِدٌ: (مُحَرَّمٌ) كَخَمْرٍ، (وَلَوْ غَيْرَ مُسْكِرٍ) كَنَبِيذِ تَمْرٍ أَوْ عَصِيرٍ أَتَى عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَمْ يَغْلِ، أَوْ غَلَى وَلَوْ قَبْلَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ}.. إلَى قَوْله: {رِجْسٌ}، وَلِأَنَّهُ يَحْرُمُ تَنَاوُلُهَا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ أَشْبَهَ الدَّمَ، وَلِأَنَّ النَّبِيذَ شَرَابٌ فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ أَشْبَهَ الْخَمْرَةَ، (لَا حَشِيشَةَ مُسْكِرَةً) فَإِنَّهَا طَاهِرَةٌ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَحَوَاشِي صَاحِبِ الْفُرُوعِ عَلَى الْمُقْنِعِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ: وَهُوَ الصَّوَابُ، (خِلَافًا لَهُ)- أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ- حَيْثُ جَزَمَ بِنَجَاسَتِهَا تَبَعًا لِمَا صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ وَالْمُرَادُ بَعْدَ عِلَاجِهَا: أَيْ بِالْإِمَاعَةِ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ. (وَقِيلَ: إنْ أُمِيعَتْ) الْحَشِيشَةُ؛ (فَهِيَ نَجِسَةٌ) وَإِلَّا فَلَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْغَزِّيِّ فِي مَنْظُومَتِهِ. (وَهُوَ) أَيْ: الْقَوْلُ بِنَجَاسَتِهَا إنْ أُمِيعَتْ: (حَسَنٌ) مُوَافِقٌ لِلْقَوَاعِدِ، لِأَنَّهَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا مَائِعٌ مُسْكِرٌ، وَهُوَ نَجِسٌ قَطْعًا. (وَمَا لَا يُؤْكَلُ مِنْ طَيْرٍ وَبَهَائِمَ مِمَّا فَوْقَ هِرٍّ خِلْقَةً) نَجِسٌ: (كَصَقْرٍ وَبُومٍ) وَعُقَابٍ وَحَدَأَةٍ وَنَسْرٍ وَرَخَمٍ وَغُرَابِ الْبَيْنِ وَالْأَبْقَعِ، (وَكَبَغْلٍ وَحِمَارٍ) وَأَسَدٍ وَنَمِرٍ وَفَهْدٍ، وَذِئْبٍ وَكَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ وَابْنِ آوَى وَدُبٍّ وَقِرْدٍ، وَسِمْعٍ: هُوَ وَلَدُ ضَبُعٍ مِنْ ذِئْبٍ، وَعِسْبَارُ: وَلَدُ ذِئْبَةٍ مِنْ ضِبْعَانٍ، (خِلَافًا لِلْمُغْنِي)، فَإِنَّهُ قَالَ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي طَهَارَةُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى طَهَارَتِهِمَا بِرُكُوبِهِ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمَذْهَبُ نَجَاسَتُهُمَا إذَا كَانَا أَهْلِيَّيْنِ، وَأَمَّا مَا دُونَ ذَلِكَ فِي الْخِلْقَةِ فَهُوَ طَاهِرٌ كَالنِّمْسِ وَالنَّسْنَاسِ وَابْنِ عُرْسٍ وَالْقُنْفُذِ وَالْفَأْرِ. (وَمَيْتَةُ) مَا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (كَضُفْدَعٍ وَحَيَّةٍ وَوَزَغٍ) نَجِسَةٌ، لِأَنَّ لَهَا نَفْسًا سَائِلَةً فَتُنَجَّسُ بِالْمَوْتِ، وَ(لَا) يُنَجَّسُ (سَمَكٌ وَجَرَادٌ وَمَا لَا دَمَ لَهُ سَائِلٌ) بِمَوْتٍ (وَيَتَّجِهُ) طَهَارَتُهُ، وَلَوْ خَرَجَ مِنْهُ دَمٌ بِقَطْعِ عُضْوِهِ إذَا كَانَ ذَلِكَ الدَّمُ مُقَوِّمًا لِجَسَدِهِ (أَصَالَةً)، أَيْ: مَوْجُودًا فِيهِ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ، لِأَنَّهُ يَسِيرٌ نَادِرٌ. (لَا) إنْ كَانَ الدَّمُ وَنَحْوُهُ (كِسْبًا) كَمَا لَوْ انْغَمَسَ فِي دَمٍ أَوْ مَائِعٍ نَجِسٍ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهُ، فَمَيْتَةٌ نَجِسَةٌ بِلَا رَيْبٍ لِتَضَمُّخِهِ بِالنَّجَاسَةِ، وَمِثْلُهُ عَلَقٌ مَصَّ دَمًا لِوُجُودِ عَيْنِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَاَلَّذِي لَا دَمَ لَهُ سَائِلَ: (كَذُبَابٍ وَبَقٍّ وَقَمْلٍ وَبَرَاغِيثَ وَخَنَافِسَ وَعَقَارِبَ وَصَرَاصِيرَ وَسَرَطَانٍ وَنَحْلٍ) وَعَنْكَبُوتٍ وَنَمْلٍ وَزُنْبُورٍ وَدُودٍ مِنْ طَاهِرٍ وَنَحْوِهَا؛ فَمَيْتَتُهُ طَاهِرَةٌ، لِحَدِيثِ «إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَمْقُلْهُ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً» رَوَاه الْبُخَارِيُّ. وَفِي لَفْظٍ «فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لْيَطْرَحْهُ» وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ بَارِدٍ وَحَارٍّ وَدُهْنٍ مِمَّا يَمُوتُ الذُّبَابُ بِغَمْسِهِ فِيهِ، فَلَوْ كَانَ يُنَجِّسُهُ كَانَ آمِرًا بِإِفْسَادِهِ.
(وَ) لَا يَنْجُسُ (آدَمِيٌّ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ) كَأَطْرَافِهِ (وَمَشِيمَتِهِ)، وَهِيَ: كِيسُ الْوَلَدِ، (وَلَوْ كَافِرًا) بِمَوْتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجَسُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «الْمُسْلِمُ لَا يَنْجُسُ» حَيًّا وَلَا مَيِّتًا. (وَلَا يَنْجُسُ مَائِعٌ وَقَعَ فِيهِ) آدَمِيٌّ أَوْ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ، (فَغَيْرُهُ) كَرِيقِهِ وَعَرَقِهِ وَبُصَاقِهِ وَمُخَاطِهِ، (وَعَلَقَةٌ وَلَوْ خُلِقَ مِنْهَا حَيَوَانٌ طَاهِرٌ كَآدَمِيٍّ) نَجِسَةٌ لِأَنَّهَا دَمٌ خَارِجٌ مِنْ الْفَرْجِ. (وَبَيْضَةٌ صَارَتْ دَمًا أَوْ مَذِرَةً) نَجِسَةٌ كَالْعَلَقَةِ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي. (وَلَبَنٌ وَمَنِيٌّ لِغَيْرِ مَأْكُولٍ) كَلَبَنِ هِرٍّ وَمَنِيِّهِ نَجِسٌ، (أَوْ) غَيْرِ (آدَمِيٍّ)، أَمَّا لَبَنُ الْآدَمِيِّ وَمَنِيُّهُ فَطَاهِرٌ. (وَلَوْ خَرَجَ) مَنِيُّهُ (بَعْدَ اسْتِجْمَارٍ) بِطَاهِرٍ فَلَا يَنْجُسُ مَا أَصَابَهُ مِنْ ثَوْبٍ وَغَيْرِهِ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ احْتِلَامٍ أَوْ جِمَاعٍ. مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ لَا يَجِبُ فِيهِ فَرْكٌ وَلَا غَسْلٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَخْرَجِ نَجَاسَةٌ فَالْمَنِيُّ نَجِسٌ لَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ.
(قَالَ) أَبُو الْوَفَاءِ عَلِيٌّ (ابْنُ عَقِيلٍ: غَيْرُ مَنِيِّ خَصِيٍّ) فَإِنَّهُ نَجِسٌ (لِاخْتِلَاطِهِ بِمَجْرَى بَوْلِهِ) فَيُغْسَلُ مَا أَصَابَهُ وُجُوبًا. (وَعَرَقٌ وَرِيقٍ لِغَيْرِ طَاهِرٍ) نَجِسٌ (وَبَيْضٌ وَقَيْءٌ وَوَدْيٌ) لِغَيْرِ مَأْكُولٍ نَجِسٌ. وَهُوَ: مَاءٌ أَبْيَضُ يَخْرُجُ عَقِبَ الْبَوْلِ غَيْرُ لَزِجٍ، (وَمَذْيٌ) مِمَّا لَا يُؤْكَلُ نَجِسٌ. وَهُوَ: مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ لَزِجٌ كَمَاءِ السَّيْسَبَانِ يَخْرُجُ عِنْدَ مَبَادِئِ الشَّهْوَةِ وَالِانْتِشَارِ. (وَبَوْلٌ وَغَائِطٍ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ كَخُطَّافٍ وَخُفَّاشٍ أَوْ مِنْ آدَمِيٍّ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ) عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، نَجِسٌ. وَأَمَّا مِنْهُمْ فَطَاهِرٌ. (أَوْ) كَانَ مَا ذَكَرَ مِنْ حَيَوَانٍ (أُكِلَ) لَحْمُهُ- بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ- فَبَوْلُهُ وَرَوْثُهُ طَاهِرٌ، لِحَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ فِي الْإِبِلِ، وَقِيسَ عَلَيْهِ الْبَاقِي، (وَ) أَمَّا إذَا كَانَ الْمَأْكُولُ (أَكْثَرُ عَلَفِهِ نَجَاسَةٌ) فَبَوْلُهُ وَرَوْثُهُ وَقَيْؤُهُ نَجِسٌ لَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ، صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ.
(وَقَيْحٌ وَصَدِيدٌ وَمَاءُ قُرُوحٍ) نَجِسٌ (وَدَمٌ لِغَيْرِ سَمَكٍ وَبَقٍّ وَقَمْلٍ وَبَرَاغِيثَ وَذُبَابٍ) نَجِسٌ، وَأَمَّا مِنْ السَّمَكِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ (وَنَحْوِهِ) مِمَّا لَا يَسِيلُ دَمُهُ فَدَمُهُ طَاهِرٌ. (وَمَا) يَبْقَى (فِي خِلَالِ لَحْمٍ مَأْكُولٍ) بَعْدَ ذَبْحِهِ (وَدَمُ عُرُوقِهِ، وَلَوْ غَلَبَتْ حُمْرَتُهُ) أَيْ حُمْرَةُ دَمٍ فِي خِلَالِ لَحْمٍ مَأْكُولٍ أَوْ عُرُوقِهِ (فِي الْقِدْرِ)- بِكَسْرِ الْقَافِ- فَإِنَّهُ طَاهِرٌ مُبَاحٌ (وَيُؤْكَلُ) تَبَعًا لِلَحْمٍ هُوَ مِنْهُ، وَلَوْ مَسَّهُ بِيَدِهِ فَظَهَرَ عَلَيْهَا، أَوْ مَسَحَهُ بِقُطْنَةٍ لَمْ يَنْجُسْ نَصًّا.
(وَ) غَيْرُ (دَمِ شَهِيدٍ عَلَيْهِ) فَإِنَّهُ طَاهِرٌ مَا دَامَ عَلَيْهِ بَلْ يَجِبُ بَقَاؤُهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ انْفَصَلَ عَنْهُ فَيَنْجُسُ. (وَكَبِدٌ وَطِحَالٌ) مِنْ مَأْكُولٍ طَاهِرٌ، لِحَدِيثِ «أُحِلَّ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ». (وَلَا يُعْفَى فِي غَيْرِ مَا يَأْتِي عَنْ يَسِيرِ نَجَاسَةٍ، وَلَوْ لَمْ يُدْرِكْهَا طَرَفٌ)- أَيْ: بَصَرٌ- (كَمُتَعَلِّقٍ بِرِجْلِ ذُبَابٍ)، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَثِيَابَك فَطَهِّرْ} وَقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ {أُمِرْنَا أَنْ نَغْسِلَ الْأَنْجَاسَ سَبْعًا} وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَدِلَّةِ. (وَيُعْفَى فِي غَيْرِ مَائِعٍ وَ) غَيْرِ (مَطْعُومٍ عَنْ يَسِيرٍ لَمْ يُنْقِضْ) الْوُضُوءَ خُرُوجُ قَدْرِهِ مِنْ الْبَدَنِ. وَهُوَ مَا لَا يَفْحُشُ فِي النَّفْسِ (مِنْ قَيْحٍ وَصَدِيدٍ، وَمَاءِ قُرُوحٍ مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ كَهِرٍّ)، أَيْ: يُعْفَى عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ غَالِبًا لَا يَسْلَمُ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَلِأَنَّهُ يَشُقُّ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَعُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ كَأَثَرِ الِاسْتِجْمَارِ، وَأَمَّا الْمَائِعُ وَالْمَطْعُومُ فَلَا يُعْفَى فِيهِ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ.
(وَ) يُعْفَى أَيْضًا عَنْ يَسِيرِ (دَمٍ، وَلَوْ حَيْضًا وَنِفَاسًا وَاسْتِحَاضَةً)، لِقَوْلِ عَائِشَةَ: «مَا كَانَ لِإِحْدَانَا إلَّا ثَوْبٌ تَحِيضُ فِيهِ، فَإِذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْهُ دَمٌ؛ قَالَتْ بِرِيقِهَا فَمَصَعَتْهُ بِظُفْرِهَا» أَيْ: حَرَّكَتْهُ وَفَرَكَتْهُ، قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ.
وَ(لَا) يُعْفَى عَنْ يَسِيرٍ خَرَجَ (مِنْ سَبِيلٍ)، لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْبَوْلِ أَوْ الْغَائِطِ. (وَيُضَمُّ مُتَفَرِّقٌ بِثَوْبٍ) مِنْهُ دَمٌ وَنَحْوُهُ، فَإِنْ فَحَشَ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ، وَإِلَّا عُفِيَ عَنْهُ، وَ(لَا) يُضَمُّ مُتَفَرِّقٌ فِي (أَكْثَرَ) مِنْ ثَوْبٍ بَلْ يُعْتَبَرُ مَا فِي كُلِّ ثَوْبٍ عَلَى حِدَتِهِ، لِأَنَّ أَحَدَهَا لَا يَتَّبِعُ الْآخَرَ، وَلَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي شَيْءٍ صَفِيقٍ قَدْ نَفَذَتْ فِيهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فَهِيَ نَجَاسَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَتَّصِلْ بَلْ كَانَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ لَمْ يُصِبْهُ الدَّمُ فَهُمَا نَجَاسَتَانِ إذَا بَلَغَا لَوْ جَمَعَا قَدْرًا لَا يُعْفَى عَنْهُ، لَمْ يُعْفَ عَنْهَا كَجَانِبَيْ الثَّوْبِ. (وَمَا عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ) كَالدَّمِ وَنَحْوِهِ (عُفِيَ عَنْ أَثَرِ كَثِيرِهِ عَلَى جِسْمٍ صَقِيلٍ بَعْدَ مَسْحٍ)، لِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْمَسْحِ يَسِيرٌ، وَإِنْ كَثُرَ مَحَلُّهُ فَعُفِيَ عَنْهُ كَيَسِيرِ غَيْرِهِ.
(وَ) يُعْفَى (عَنْ أَثَرِ اسْتِجْمَارٍ بِمَحَلِّهِ) بَعْدَ الْإِنْقَاءِ وَاسْتِيفَاءِ الْعَدَدِ بِلَا خِلَافٍ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّى مَحَلُّهُ إلَى الثَّوْبِ أَوْ الْبَدَنِ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ، وَلَا يُرَدُّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَنِيَّ الْمُسْتَجْمِرِ طَاهِرٌ، مَعَ أَنَّ أَثَرَ الِاسْتِجْمَارِ قَدْ تَعَدَّى مَحَلَّهُ بِسَبَبِ الْمَنِيِّ، لِأَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ بِمَنْزِلَةِ طِينِ الشَّارِعِ إذَا تَحَقَّقَتْ نَجَاسَتُهُ لَا بِمَنْزِلَةِ النَّجَاسَةِ بِالْعَيْنِ إذَا تَعَدَّتْ إلَى غَيْرِهَا.
(وَ) يُعْفَى أَيْضًا عَنْ (يَسِيرِ سَلَسِ بَوْلٍ مَعَ كَمَالِ تَحَفُّظٍ) لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ.
(وَ) يُعْفَى أَيْضًا عَنْ (دُخَانِ نَجَاسَةٍ وَبُخَارِهَا وَغُبَارِهَا) (وَيَتَّجِهُ احْتِمَالٌ وَلَوْ) كَانَ اخْتِلَاطُ مَا ذُكِرَ مِنْ الدُّخَّانِ وَالْبُخَارِ وَالْغُبَارِ (بِمَائِعٍ) لَمْ يُغَيِّرْهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ (مَا لَمْ تَظْهَرْ لَهُ)- أَيْ: الدُّخَانِ وَنَحْوِهِ- (صِفَةٌ) فِي الشَّيْءِ الطَّاهِرِ، لِأَنَّهُ يَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: مَا لَمْ يَتَكَاثَفْ.
(وَ) يُعْفَى أَيْضًا عَنْ (يَسِيرِ مَائِعٍ تَنَجَّسَ) بِشَيْءٍ (مَعْفُوٍّ عَنْ يَسِيرِهِ) كَدَمٍ وَقَيْحٍ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتَيْهِ وَعِبَارَتُهُ: وَعَنْ يَسِيرِ الْمَاءِ النَّجِسِ بِمَا عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ مِنْ دَمٍ وَنَحْوِهِ، وَأَطْلَقَ الْمُنَقِّحُ الْقَوْلَ بِالْعَفْوِ عَنْ يَسِيرِ الْمَاءِ النَّجِسِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَا عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ وَوَجْهُهُ: أَنَّ الْمَاءَ الْمُتَنَجِّسَ، بَلْ وَكُلُّ مُتَنَجِّسٍ، حُكْمُهُ حُكْمُ نَجَاسَةٍ: فَإِنْ عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهَا كَالدَّمِ عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ، وَإِلَّا كَالْبَوْلِ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ، لِأَنَّهُ فَرْعُهَا، وَالْفَرْعُ يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ أَصْلِهِ.
(وَ) يُعْفَى أَيْضًا (عَنْ نَجَاسَةٍ بِعَيْنٍ) فَلَا يَجِبُ غَسْلُهَا لِلتَّضَرُّرِ بِهِ. (وَيَتَّجِهُ وَ) كَذَا يُعْفَى عَنْ نَجَاسَةٍ دَاخِلَ (أُذُنٍ) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّضَرُّرِ أَيْضًا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) يُعْفَى أَيْضًا (عَنْ حَمْلِ كَثِيرِهَا)- أَيْ: النَّجَاسَةِ- (فِي صَلَاةِ خَوْفٍ) لِلضَّرُورَةِ.
(وَ) يُعْفَى أَيْضًا عَنْ (يَسِيرِ طِينِ شَارِعٍ تَحَقَّقَتْ نَجَاسَتُهُ) لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، وَمِثْلُهُ تُرَابٌ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ هَبَّتْ رِيحٌ فَأَصَابَ شَيْئًا رَطْبًا غُبَارٌ نَجِسٌ مِنْ طَرِيقٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ. (وَعَرَقٌ وَرِيقٍ مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ) مَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِ مَأْكُولٍ (طَاهِرٌ، وَبَلْغَمٌ) مِنْ صَدْرٍ أَوْ رَأْسٍ أَوْ مَعِدَةٍ طَاهِرٌ (وَلَوْ ازْرَقَّ)- بِتَشْدِيدِ الْقَافِ- لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى النُّخَامَةَ فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يَقُومُ مُسْتَقْبِلَ رَبِّهِ فَيَتَنَخَّعُ أَمَامَهُ، أَيُحِبُّ أَنْ يُسْتَقْبَلَ فَيُتَنَخَّعَ فِي وَجْهِهِ؟ فَإِذَا تَنَخَّعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَنَخَّعْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَقُلْ هَكَذَا» وَوَصَفَهُ الْقَاسِمُ: فَتَفَلَ فِي ثَوْبِهِ، ثُمَّ مَسَحَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ. وَلَوْ كَانَتْ نَجِسَةً لَمَا أَمَرَ بِمَسْحِهَا فِي ثَوْبِهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا تَحْتَ قَدَمِهِ، وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَنَجَّسَ الْفَمَ، وَلِأَنَّهُ مُنْعَقِدٌ مِنْ الْأَبْخِرَةِ أَشْبَهَ الْمُخَاطَ. (وَرُطُوبَةُ فَرْجِ آدَمِيَّةٍ) طَاهِرَةٌ، لِأَنَّ الْمَنِيَّ طَاهِرٌ وَلَوْ عَنْ جِمَاعٍ، فَلَوْ كَانَتْ نَجِسَةً لَكَانَ نَجِسًا لِخُرُوجِهِ مِنْهُ. (وَسَائِلٌ مِنْ فَمِ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى كَبِيرٌ أَوْ صَغِيرٌ (وَقْتَ نَوْمٍ) طَاهِرٌ كَالْبُصَاقِ. (وَدُودُ قَزٍّ) وَبِزْرُهُ طَاهِرٌ بِلَا خِلَافٍ. (وَطِينُ شَارِعٍ ظُنَّتْ نَجَاسَتُهُ) وَتُرَابُهُ طَاهِرٌ، لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ. (وَمِسْكٌ وَفَأْرَتُهُ) طَاهِرَانِ، وَهُوَ سُرَّةُ الْغَزَالِ وَانْفِصَالُهُ بِطَبْعِهِ كَالْجَنِينِ. (وَكَذَا زَبَادٌ) طَاهِرٌ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: (خِلَافًا لَهُ)- أَيْ: لِلْإِقْنَاعِ- فَإِنَّهُ جَزَمَ بِنَجَاسَتِهِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الْفُرُوعِ طَهَارَتُهُ، (لِأَنَّهُ عِرْقُ سِنَّوْرٍ بَرِّيٍّ) قَالَ الشَّرِيفُ الْإِدْرِيسِيُّ: الزَّبَادُ: نَوْعٌ مِنْ الطِّيبِ يُجْمَعُ مِنْ بَيْنِ أَفْخَاذِ حَيَوَانٍ مَعْرُوفٍ يَكُونُ بِالصَّحْرَاءِ، وَيُصَادُ وَيُطْعَمُ اللَّحْمَ، ثُمَّ يَعْرَقُ فَيَكُونُ مِنْ عِرْقٍ بَيْنَ فَخِذَيْهِ حِينَئِذٍ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ الْهِرِّ الْأَهْلِيِّ. انْتَهَى.
وَالْعَنْبَرُ طَاهِرٌ أَيْضًا، لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْعَنْبَرُ مِنْ الطِّيبِ رَوْثُ دَابَّةٍ بَحْرِيَّةٍ أَوْ نَبْعُ عَيْنٍ فِيهِ وَيُؤَنَّثُ. (وَلَا يُكْرَهُ سُؤْرُ) حَيَوَانٍ (طَاهِرٍ وَلَوْ حَائِضًا وَهُوَ)- أَيْ: السُّؤْرُ-: (فَضْلُ طَعَامِهِ)- أَيْ: الْحَيَوَانِ- (وَشَرَابِهِ، غَيْرَ دَجَاجَةٍ مُخَلَّاةٍ) غَيْرَ مَضْبُوطَةٍ، فَيُكْرَهُ سُؤْرُهَا احْتِيَاطًا، (قِيلَ: وَ) غَيْرُ سُؤْرِ (فَأْرٍ، لِأَنَّهُ يُورِثُ النِّسْيَانَ) فَيُكْرَهُ تَنَاوُلُهُ لِذَلِكَ. (وَلَا يُكْرَهُ نَحْوُ) (عَجْنٍ وَ) لَا (طَبْخٍ مِنْ حَائِضٍ) وَنُفَسَاءَ (وَلَا وَضْعُ يَدِهَا فِي مَائِعٍ) لِطَهَارَةِ بَدَنِهَا. (وَلَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ هِرٌّ وَنَحْوُهُ) كَنِمْسٍ وَفَأْرٍ وَقُنْفُذٍ وَدَجَاجَةٍ وَبَهِيمَةٍ نَجَاسَةً فَلُعَابُهُ طَاهِرٌ، لِمَا رَوَى مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْهِرِّ: إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجِسٍ إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ» مُشَبِّهًا بِالْخَدَمِ أَخْذًا مِنْ قَوْله تَعَالَى: {طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ} وَلِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهَا كَحَشَرَاتِ الْأَرْضِ كَالْحَيَّةِ، قَالَ الْقَاضِي: فَطَهَارَتُهَا مِنْ النَّصِّ وَمِثْلُهَا وَمَا دُونَهَا مِنْ التَّعْلِيلِ. (أَوْ) أَكَلَ (طِفْلٌ نَجَاسَةً فَلُعَابُهُ طَاهِرٌ ثُمَّ شَرِبَ) الْهِرُّ وَنَحْوُهُ مِمَّا دُونَهُ فِي الْخِلْقَةِ أَوْ الطِّفْلُ (وَلَوْ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ) بَعْدَ أَكْلِ النَّجَاسَةِ (مِنْ مَائِعٍ) أَوْ مَاءٍ (يَسِيرٍ) لَمْ يُؤَثِّرْ لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، (أَوْ وَقَعَ فِيهِ)- أَيْ: الْمَاءِ- الْيَسِيرِ، أَوْ مَائِعٍ غَيْرِهِ (هِرٌّ وَنَحْوُهُ مِمَّا يَنْضَمُّ دُبُرُهُ إذَا وَقَعَ) فِي مَائِعٍ، (وَخَرَجَ حَيًّا لَمْ يُؤَثِّرْ)، لِعَدَمِ وُصُولِ نَجَاسَةٍ إلَيْهِ، (وَكَذَا) لَوْ وَقَعَ (فِي جَامِدٍ) وَخَرَجَ حَيًّا لَمْ يُؤَثِّرْ. (وَهُوَ)- أَيْ: الْجَامِدُ- (مَا يُمْنَعُ انْتِقَالُهَا)- أَيْ: النَّجَاسَةِ- فِيهِ لِكَثَافَتِهِ. (وَإِنْ مَاتَ) حَيَوَانٌ يَنْجُسُ بِمَوْتٍ (أَوْ وَقَعَ مَيِّتًا رَطْبًا فِي دَقِيقٍ وَنَحْوِهِ) كَسَمْنٍ جَامِدٍ (أُلْقِيَ) الْمَيِّتُ (وَمَا حَوْلَهُ) مِنْ دَقِيقٍ أَوْ نَحْوِهِ لِمُلَاقَاتِهِ النَّجَاسَةَ وَاسْتُعْمِلَ الْبَاقِي. (وَإِنْ اخْتَلَطَ) النَّجِسُ بِغَيْرِهِ (وَلَمْ يَنْضَبِطْ حَرُمَ) الْكُلُّ تَغْلِيبًا لِلْحَظْرِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَائِعًا لِلْخَبَرِ.

.(بَابُ الْحَيْضِ):

لُغَةً: السَّيَلَانُ، مَصْدَرُ: حَاضَ، مَأْخُوذٌ مِنْ حَاضَ الْوَادِي: إذَا سَالَ، وَحَاضَتْ الشَّجَرَةُ: إذَا سَالَ مِنْهَا شِبْهُ الدَّمِ، وَهُوَ: الصَّمْغُ الْأَحْمَرُ، وَتَحَيَّضَتْ: قَعَدَتْ أَيَّامَ حَيْضِهَا عَنْ نَحْوِ صَلَاةٍ. وَمِنْ أَسْمَائِهِ: الطَّمْثُ وَالْعِرَاكُ وَالضَّحِكُ وَالْإِعْصَارُ وَالْإِكْبَارُ وَالنِّفَاسُ وَالدِّرَاسُ، وَاسْتُحِيضَتْ الْمَرْأَةُ: اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ بَعْدَ أَيَّامِهَا وَيُتَصَوَّرُ وُجُودُ شِبْهِ الْحَيْضِ مِنْهُ سَبْعٍ سِوَى الْمَرْأَةِ، وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: إنَّ (الْإِنَاثَ) اللَّوَاتِي حِضْنَ قَدْ جُمِعَتْ فِي بَيْتِ شِعْرٍ فَكُنْ مِمَّنْ لَهُنَّ يَعِي (فـَ) فَأْرَةٌ، نَاقَةٌ، مَعَ أَرْنَبٍ، وَزَغٌ وَحُجْرَةُ كَلْبَةٍ، خُفَّاشٌ، مَعَ ضَبُعِ وَشَرْعًا: (دَمُ طَبِيعَةٍ وَجِبِلَّةٍ): بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا، أَيْ: سَجِيَّةٍ وَخِلْقَةٍ، جَبَلَ اللَّهُ بَنَاتَ آدَمَ عَلَيْهَا، (يَخْرُجُ مَعَ صِحَّةٍ) بِخِلَافِ الِاسْتِحَاضَةِ (مِنْ غَيْرِ سَبَبِ وِلَادَةٍ) خَرَجَ النِّفَاسُ (مِنْ قَعْرِ رَحِمٍ)- أَيْ: بَيْتِ مَنْبَتِ الْوَلَدِ وَوِعَائِهِ، (يَعْتَادُ أُنْثَى إذَا بَلَغَتْ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ)، وَلَيْسَ بِدَمِ فَسَادٍ بَلْ خَلَقَهُ اللَّهُ لِحِكْمَةِ غِذَاءِ الْوَلَدِ وَتَرْبِيَتِهِ، وَهُوَ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِمَا، فَإِذَا حَمَلَتْ انْصَرَفَ ذَلِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى غِذَائِهِ، وَلِذَلِكَ لَا تَحِيضُ الْحَامِلُ، فَإِذَا وَضَعَتْ قَلَبَهُ اللَّهُ لَبَنًا يَتَغَذَّى بِهِ، وَلِذَلِكَ قَلَّ مَا تَحِيضُ الْمُرْضِعُ فَإِذَا خَلَتْ مِنْهُمَا بَقِيَ الدَّمُ لَا مَصْرِفَ لَهُ، فَيَسْتَقِرُّ فِي مَكَان، ثُمَّ يَخْرُجُ فِي كُلِّ شَهْرٍ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً، وَقَدْ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَيَقِلُّ وَيَطُولُ شَهْرُهَا وَيَقْصُرُ بِحَسَبِ مَا رَكَّبَهُ اللَّهُ فِي الطِّبَاعِ، وَلِهَذَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبِرِّ الْأُمِّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَبِبِرِّ الْأَبِ مَرَّةً وَاحِدَةً. وَالْأَصْلُ فِي الْحَيْضِ: قَوْله تَعَالَى: {يَسْأَلُونَك عَنْ الْمَحِيضِ} الْآيَةَ وَالسُّنَّةَ.
قَالَ أَحْمَدُ: الْحَيْضُ يَدُورُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ: حَدِيثُ فَاطِمَةَ. وَأُمِّ حَبِيبَةَ، وَحَمْنَةَ، وَفِي رِوَايَةِ أُمِّ سَلَمَةَ مَكَانَ أُمِّ حَبِيبَةَ. (وَالِاسْتِحَاضَةُ سَيَلَانُ الدَّمِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ) الْمُعْتَادِ (مِنْ مَرَضٍ وَفَسَادٍ مِنْ عِرْقٍ فَمُهُ فِي أَدْنَى الرَّحِمِ يُسَمَّى: الْعَاذِلَ): بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ، وَالْعَاذِرُ: لُغَةً فِيهِ، حَكَاهُمَا ابْنُ سِيدَهْ. يُقَالُ: اُسْتُحِيضَتْ الْمَرْأَةُ: اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ بَعْدَ أَيَّامِهَا، فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ. (وَيَأْتِي) الْكَلَامُ عَلَى (النِّفَاسِ) مُسْتَوْفًى. (وَيَمْتَنِعُ بِحَيْضٍ اثْنَا عَشَرَ) شَيْئًا: أَحَدُهَا: (غُسْلٌ لَهُ)، فَلَا يَصِحُّ لِقِيَامِ مُوجِبِهِ، وَ(لَا) يُمْنَعُ الْغُسْلُ (لِجَنَابَةٍ وَنَحْوِ إحْرَامٍ بَلْ يُسَنُّ) الْغُسْلُ لِذَلِكَ تَخْفِيفًا لِلْحَدَثِ.
(وَ) الثَّانِي: (وُضُوءٌ)، لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ انْقِطَاعَ مَا يُوجِبُهُ، وَتَقَدَّمَ.
(وَ) الثَّالِثُ: (وُجُوبُ صَلَاةٍ) إجْمَاعًا فَلَا تَقْضِيهَا إجْمَاعًا، قِيلَ لِأَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: فَإِنْ أَحَبَّتْ أَنْ تَقْضِيَهَا؟ قَالَ: لَا هَذَا خِلَافٌ، أَيْ: بِدْعَةٌ وَتَفْعَلُ رَكْعَتَيْ طَوَافٍ إذَا طَهُرَتْ لِأَنَّهَا نُسُكٌ لَا آخَرَ لِوَقْتِهِ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ بِمَعْنَاهُ.
(وَ) الرَّابِعُ: امْتِنَاعُ (فِعْلِهَا)- أَيْ: الصَّلَاةِ- وَلَوْ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ لِمُسْتَمِعَةٍ، لِقِيَامِ الْمَانِعِ بِهَا.
(وَ) الْخَامِسُ: (فِعْلُ طَوَافٍ)، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» وَلِأَنَّهُ صَلَاةٌ وَوُجُوبُهُ بَاقٍ فَتَفْعَلُهُ إذَا طَهُرَتْ إذًا لِأَنَّهُ لَا آخَرَ لِوَقْتِهِ وَيَسْقُطُ عَنْهَا وُجُوبُ طَوَافٍ وَوَدَاعٍ كَمَا يَأْتِي.
(وَ) السَّادِسُ: فِعْلُ (صَوْمٍ) إجْمَاعًا، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَلَيْسَتْ إحْدَاكُنَّ إذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟ قُلْنَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ. وَلَا يَمْنَعُ الْحَيْضُ وُجُوبَ صَوْمٍ فَتَقْضِيهِ إجْمَاعًا، لِحَدِيثِ مُعَاذَةَ قَالَتْ: «سَأَلْت عَائِشَةَ فَقُلْت: مَا بَالُ الْحَائِضُ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ فَقُلْت: لَسْت بِحَرُورِيَّةٍ، وَلَكِنِّي أَسْأَلُ، فَقَالَتْ: كُنَّا نَحِيضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَضَاؤُهُ بِالْأَمْرِ السَّابِقِ لَا بِأَمْرٍ جَدِيدٍ.
(وَ) السَّابِعُ: (مَسُّ الْمُصْحَفِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ}.
(وَ) الثَّامِنُ: (قِرَاءَةُ قُرْآنٍ) مُطْلَقًا خَافَتْ نِسْيَانَهُ أَوْ لَا، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يَقْرَأُ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.
(وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (إذَا ظَنَّتْ نِسْيَانَهُ وَجَبَتْ) عَلَيْهَا الْقِرَاءَةُ. وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ.
(وَ): (لُبْثٌ بِمَسْجِدٍ)، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا أُحِلَّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا لِجُنُبٍ» رَوَاه أَبُو دَاوُد. (وَلَوْ) كَانَ اللُّبْثُ (بِوُضُوءٍ) وَمَعَ أَمْنِ التَّلَوُّثِ فَلَا يَصِحُّ اعْتِكَافُهَا، وَ(لَا) يَمْنَعُ الْحَيْضُ الـ (مُرُورَ) بِالْمَسْجِدِ (مَعَ أَمْنِ تَلْوِيثٍ) نَصًّا، فَإِنْ لَمْ تَأْمَنْهُ مُنِعَتْ.
(وَ) الْعَاشِرُ: (وَطْءٌ فِي فَرْجٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} الْآيَةَ، وَهُوَ: مَوْضِعُ الْحَيْضِ، صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ. وَإِنْ أَرَادَ وَطْأَهَا فَادَّعَتْهُ قُبِلَ مِنْهَا نَصًّا إنْ أَمْكَنَ كَطُهْرِهَا، (إلَّا لِمَنْ بِهِ شَبَقٌ)- مَرَضٌ مَعْرُوفٌ- فَيُبَاحُ لَهُ الْوَطْءُ فِي الْحَيْضِ إنْ خَافَ تَشَقُّقَ أُنْثَيَيْهِ إنْ لَمْ يَطَأْ، (وَلَا تَنْدَفِعُ شَهْوَتُهُ بِدُونِ وَطْءٍ فِي فَرْجٍ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى مَهْرِ حُرَّةٍ أَوْ ثَمَنِ أَمَةٍ) وَلَا يَجِدُ غَيْرَ الْحَائِضِ. (وَيَتَّجِهُ: أَوْ خَوْفَ عَنَتٍ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا) بِأَنْ لَمْ تَنْدَفِعْ الشَّهْوَةُ بِدُونِ إيلَاجٍ فِي فَرْجِهَا، فَيُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ إزَالَةً لِلضَّرَرِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَ) الْحَادِيَ عَشَرَ: (سُنَّةُ طَلَاقٍ)، لِأَنَّهُ فِي الْحَيْضِ بِدْعَةٌ مُحَرَّمَةٌ، كَمَا يَأْتِي مُوَضَّحًا فِي بَابِهِ، (مَا لَمْ تَسْأَلْهُ)- أَيْ: الْحَائِضُ- (خُلْعًا أَوْ طَلَاقًا) فَيُبَاحُ لَهُ إجَابَتُهَا، لِأَنَّ الْمَنْعَ لِتَضَرُّرِهَا بِطُولِ الْعِدَّةِ، وَمَعَ سُؤَالِهَا قَدْ أَدْخَلَتْ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهَا. (وَيَتَّجِهُ: وَلَوْ) كَانَ سُؤَالُهَا الزَّوْجَ الْخُلْعَ أَوْ الطَّلَاقَ (بِلَا عِوَضٍ، خِلَافًا لَهُمَا)- أَيْ: لِلْإِقْنَاعِ وَالْمُنْتَهَى- حَيْثُ قَيَّدَا سُؤَالَهَا بِالْعِوَضِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: قُلْت: وَلَعَلَّ اعْتِبَارَ الْعِوَضِ لِأَنَّهَا قَدْ تُظْهِرُ خِلَافَ مَا تُبْطِنُ، فَبَذْلُ الْعِوَضِ يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ، (كَمَا يَأْتِي) فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مُفَصَّلًا. (وَالْعِلَّةُ) الَّتِي ذَكَرَهَا الْأَصْحَابُ: أَنَّ حُرْمَةَ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ لِحَقِّهَا، فَأُبِيحَ الطَّلَاقُ بِسُؤَالِهَا مُطْلَقًا بِعِوَضٍ وَبِدُونِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، لِأَنَّهَا أَدْخَلَتْ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهَا بِسُؤَالِهَا ذَلِكَ (تَقْتَضِيهِ)، أَيْ: تَقْتَضِي جَوَازَ الْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ بِسُؤَالِهَا ذَلِكَ بِعِوَضٍ وَبِدُونِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) الثَّانِي عَشَرَ (اعْتِدَادٌ بِأَشْهُرٍ)، يَعْنِي أَنَّ مَنْ تَحِيضُ لَا تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ بَلْ بِالْحَيْضِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} فَأَوْجَبَ الْعِدَّةَ بِالْقُرُوءِ، وَلِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} الْآيَةَ. (إلَّا) الِاعْتِدَادُ (لِوَفَاةٍ) فَبِالْأَشْهُرِ إنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا، وَلَوْ أَنَّهَا تَحِيضُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}. (وَيَجِبُ بِهِ) أَيْ: الْحَيْضِ (خَمْسَةُ) أَشْيَاءَ: (غُسْلٌ)، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي كُنْت تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَ) يَجِبُ بِهِ (بُلُوغٌ)، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» رَوَاه أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ. فَأَوْجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتَتِرَ لِأَجْلِ الْحَيْضِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّكْلِيفَ حَصَلَ بِهِ.
(وَ) يَجِبُ عَلَى حَائِضٍ (اعْتِدَادٌ) بِالْحَيْضِ (إلَّا لِوَفَاةٍ)، وَتَقَدَّمَ مَعْنَاهُ.
(وَ) يَجِبُ (الْحُكْمُ بِبَرَاءَةِ رَحِمٍ فِي اعْتِدَادٍ) بِهِ، إذْ الْعِلَّةُ مَشْرُوعِيَّةُ الْعِدَّةِ فِي الْأَصْلِ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ، (وَ) يَجِبُ الْحُكْمُ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ فِي (اسْتِبْرَاءِ) الْإِمَاءِ، إذْ فَائِدَتُهُ ذَلِكَ (وَ) تَجِبُ (كَفَّارَةٌ بِوَطْءٍ فِيهِ)- أَيْ: فِي الْحَيْضِ- قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: قُلْت: قَدْ يُقَالُ الْمُوجِبُ الْوَطْءُ وَالْحَيْضُ شَرْطٌ كَمَا قَالُوا فِي الزِّنَا إنَّهُ مُوجِبٌ. وَالْإِحْصَانُ شَرْطٌ، وَالْخَطْبُ فِي ذَلِكَ سَهْلٌ. (وَنِفَاسٌ مِثْلُهُ)- أَيْ: الْحَيْضِ- (فِي كُلِّ مَا مَرَّ) مِمَّا يَمْنَعُهُ وَيُوجِبُهُ، قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لِأَنَّهُ دَمُ حَيْضٍ اُحْتُبِسَ لِأَجْلِ الْوَلَدِ، (إلَّا فِي) ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ (اعْتِدَادٌ)، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْءٍ، فَلَا تَتَنَاوَلُهُ الْآيَةُ. (وَوُجُوبُ بُلُوغٍ، لِحُصُولِهِ بـِ) إنْزَالٍ سَابِقٍ: لِـ (حَمْلٍ وَعَدَمُ احْتِسَابٍ بِهِ فِي مُدَّةِ إيلَاءٍ)، أَيْ: الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ الَّتِي تُضْرَبُ لِلْمُولِي لِطُولِ مُدَّتِهِ بِخِلَافِ الْحَيْضِ. (وَلَا يُبَاحُ قَبْلَ غُسْلٍ أَوْ تَيَمُّمٍ بِانْقِطَاعِ دَمِ) حَيْضٍ (غَيْرِ صَوْمٍ)، لِأَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ لَا يَمْنَعُ فِعْلَهُ كَالْجَنَابَةِ، (وَ) غَيْرِ (طَلَاقٍ)، لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ لِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ، (وَ) يُبَاحُ أَيْضًا بَعْدَ انْقِطَاعِهِ (لُبْثٌ بِمَسْجِدٍ بِوُضُوءٍ)، وَتَقَدَّمَ. (وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ) زَوْجٌ وَسَيِّدٌ (مِنْ حَائِضٍ) زَمَنَ حَيْضٍ. (وَيَتَّجِهُ وَ) مِنْ (نُفَسَاءَ) كَذَلِكَ، لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (بِدُونِ فَرْجٍ) مِمَّا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} أَيْ: اعْتَزِلُوا نِكَاحَ فُرُوجِهِنَّ وَلِأَنَّ الْمَحِيضَ اسْمٌ لِمَكَانِ الْحَيْضِ، كَالْمَقِيلِ وَالْمَبِيتِ، فَيَخْتَصُّ التَّحْرِيمُ بِهِ، وَلِهَذَا لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا النِّكَاحَ» رَوَاه مُسْلِمٌ، وَفِي لَفْظٍ «إلَّا الْجِمَاعَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ «أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَحِلُّ مِنْ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَ: لَك مَا فَوْقَ الْإِزَارِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد؛ فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ، وَعَلَى تَسْلِيمِ صِحَّتِهِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ بِالْمَفْهُومِ، وَالْمَنْطُوقُ رَاجِحٌ عَلَيْهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ «إنَّهُ كَانَ يَأْمُرُنِي أَنْ أَتَّزِرَ فَيُبَاشِرَنِي وَأَنَا حَائِضٌ» فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ أَيْضًا لِلتَّحْرِيمِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَتْرُكُ بَعْضَ الْمُبَاحِ تَعَذُّرًا، كَتَرْكِهِ أَكْلَ الضَّبِّ. (وَيُسَنُّ سَتْرُهُ)- أَيْ: الْفَرْجِ- (إذَنْ) أَيْ: حِينِ اسْتِمْتَاعِهِ بِمَا دُونَهُ، لِحَدِيثِ عِكْرِمَةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ مِنْ الْحَائِضِ شَيْئًا أَلْقَى عَلَى فَرْجِهَا خِرْقَةً» رَوَاه أَبُو دَاوُد. (فَإِنْ) (أَوْلَجَ) مَنْ يُجَامِعُ مِثْلُهُ (الْحَشَفَةَ أَوْ قَدْرَهَا) مِنْ مَقْطُوعِهَا فِي فَرْجِ حَائِضٍ (قَبْلَ انْقِطَاعِهِ) أَيْ: الْحَيْضِ- (أَوْ حَاضَتْ) مُجَامَعَةً (فِي أَثْنَاءِ وَطْءِ مَنْ يُجَامِعُ مِثْلُهُ) وَهُوَ ابْنُ عَشْرٍ (وَلَوْ بِحَائِلٍ) لَفَّهُ عَلَى ذَكَرِهِ. (وَيَتَّجِهُ) سَوَاءٌ كَانَ إيلَاجُهُ بِمَنْ تُبَاحُ لَهُ أَوْ بِشُبْهَةٍ (أَوْ زِنًى)، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَعَلَيْهِ)- أَيْ: الْمُولِجِ- (كَفَّارَةُ دِينَارٍ، زِنَتُهُ مِثْقَالٌ خَالٍ مِنْ غِشٍّ أَوْ نِصْفُهُ عَلَى التَّخْيِيرِ)، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ: «يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَتَخَيُّرُهُ بَيْنَ الشَّيْءِ وَنِصْفِهِ كَتَخْيِيرِ الْمُسَافِرِ بَيْنَ الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ. (أَوْ قِيمَتُهُ مِنْ فِضَّةٍ لَا) مِنْ (غَيْرِهَا) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى مَنْ جَامَعَ طَاهِرًا فَحَاضَتْ، فَنَزَعَ فِي الْحَالِ، لِأَنَّ النَّزْعَ جِمَاعٌ. (وَلَوْ) كَانَ الْمُولِجُ (مُكْرَهًا)، لِأَنَّ الْإِيلَاجَ لَا يَتَأَتَّى مَعَ الْإِكْرَاهِ. (وَيَتَّجِهُ مَا لَمْ) (يُدْخِلْهُ)- أَيْ: ذَكَرَهُ- بِأُصْبُعِهِ (إذَنْ) أَيْ: حَالَ الْإِكْرَاهِ (بِلَا انْتِشَارٍ) فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَنَّهُ مُكْرَهٌ، وَالْمُكْرَهُ غَيْرُ آثِمٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ) كَانَ (نَاسِيًا) الْحَيْضَ. (أَوْ) كَانَ (جَاهِلَ حَيْضٍ وَتَحْرِيمٍ)، لِعُمُومِ الْخَبَرِ. وَكَالْوَطْءِ فِي الْإِحْرَامِ، (وَكَذَا هِيَ)، أَيْ: وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي الْكَفَّارَةِ قِيَاسًا عَلَيْهِ (إنْ طَاوَعَتْهُ) عَلَى الْوَطْءِ فَإِنْ أَكْرَهَهَا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا، وَقِيَاسُهُ لَوْ كَانَتْ نَاسِيَةً أَوْ جَاهِلَةً. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ عَلَى وَاطِئٍ وَمَوْطُوءٍ اخْتِيَارًا، (وَلَوْ) كَانَا (قِنَّيْنِ) لِتَكْلِيفِهِمَا بِالْأَوَامِرِ الشَّرْعِيَّةِ، فَتَتَعَلَّقُ الْكَفَّارَةُ بِرَقَبَتِهِمَا يُؤَدِّيَانِهَا بَعْدَ عِتْقِهِمَا، مَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُمَا السَّيِّدُ بِالتَّكْفِيرِ بِالصَّوْمِ، (فَإِنْ) أَذِنَ لَهُمَا، وَأَجْزَأَهُمَا، (وَلَا يُعَزَّرَانِ لِوُجُوبِهَا)- أَيْ: الْكَفَّارَةِ- عَلَيْهِمَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَتَسْقُطُ) الْكَفَّارَةُ (بِعَجْزٍ) عَنْهَا، كَكَفَّارَةِ الْوَطْءِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، وَإِنْ كَرَّرَ الْوَطْءَ فِي حَيْضَةٍ أَوْ حَيْضَتَيْنِ فَكَالصَّوْمِ، فَلَوْ جَامَعَ فِي يَوْمٍ ثُمَّ فِي آخَرَ وَلَمْ يُكَفِّرْ، لَزِمَتْهُ ثَانِيَةٌ، كَمَنْ أَعَادَ فِي يَوْمِهِ بَعْدَ أَنْ كَفَّرَ. (وَمَصْرِفُهَا)- أَيْ: هَذِهِ الْكَفَّارَةِ- (كَغَيْرِهَا) مِنْ بَقِيَّةِ الْكَفَّارَاتِ، أَيْ: لِمَنْ لَهُ أَخْذُ زَكَاةٍ لِحَاجَتِهِ، (وَتُجْزِئُ لِمِسْكِينٍ) وَاحِدٍ (كَنَذْرِ مُطْلَقٍ)، أَيْ: كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ. (وَوَطْءُ حَائِضٍ) فِي فَرْجِهَا (كَبِيرَةٌ،) (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ (هُنَا) وَأَمَّا فِي الشَّهَادَاتِ فَإِنَّهُ عَدَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ. (وَلَا كَفَّارَةَ بِوَطْءِ) حَائِضٍ (بَعْدَ انْقِطَاعِ) الدَّمِ (وَقَبْلَ غُسْلِهَا) مِنْهُ، لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ وَهِيَ حَائِضٌ وَهَذِهِ لَيْسَتْ بِحَائِضٍ (أَوْ)، أَيْ: وَلَا كَفَّارَةَ (بِوَطْءِ) الْحَائِضِ (فِي دُبُرِهَا)، لِأَنَّهُ لَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ، وَلَا فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ.

.(فَرْعٌ): [في وطءِ الحَائضِ]:

(لَوْ أَرَادَ وَطْأَهَا فَادَّعَتْ حَيْضًا وَأَمْكَنَ) بِأَنْ كَانَتْ فِي سِنٍّ يَتَأَتَّى فِيهِ الْحَيْضُ (قُبِلَ) قَوْلُهَا (نَصًّا لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ) فَيَجِبُ الْكَفُّ عَنْهَا.
(وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: اتَّفَقُوا)- أَيْ: الْعُلَمَاءُ- (عَلَى قَبُولِ) (قَوْلِ الْمَرْأَةِ)- أَيْ: الْمَاشِطَةِ وَنَحْوِهَا- (تَزِفُّ الْعَرُوسَ إلَى زَوْجِهَا فَتَقُولُ: هَذِهِ زَوْجَتُك)، وَعَلَى اسْتِبَاحَةِ وَطْئِهَا بِذَلِكَ لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ، (وَ) عَلَى تَصْدِيقِ مَنْ أُرِيدَ وَطْؤُهَا (فِي قَوْلِهَا: أَنَا حَائِضٌ، أَوْ) قَوْلُهَا: (قَدْ طَهُرْت)، لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا.

.(فَصْلٌ): [أَقَلُّ سِنِّ للْحَيْضِ]:

(وَأَقَلُّ سِنِّ حَيْضٍ) أَيْ: سِنُّ امْرَأَةٍ يُمْكِنُ أَنْ تَحِيضَ: (تَمَامُ تِسْعِ سِنِينَ) تَحْدِيدًا لِأَنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ مِنْ النِّسَاءِ مَنْ تَحِيضُ قَبْلَ هَذَا السِّنِّ، وَلِأَنَّهُ خُلِقَ لِحِكْمَةِ تَرْبِيَةِ الْوَلَدِ، وَهَذِهِ لَا تَصْلُحُ لِلْحَمْلِ، فَلَا تُوجَدُ فِيهَا حِكْمَتُهُ وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ: «إذَا بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ تِسْعَ سِنِينَ فَهِيَ امْرَأَةٌ» وَرُوِيَ مَرْفُوعًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَالْمُرَادُ: حُكْمُهَا حُكْمُ الْمَرْأَةِ، فَمَتَى رَأَتْ دَمًا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا حُكِمَ بِكَوْنِهِ حَيْضًا وَبِبُلُوغِهَا. وَإِنْ رَأَتْهُ قَبْلَ. هَذَا السِّنِّ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا. (وَأَكْثَرُهُ)، أَيْ: أَكْثَرُ سِنٍّ تَحِيضُ فِيهِ النِّسَاءُ: (خَمْسُونَ سَنَةً)، هَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ وَالْهَادِي وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّرْغِيبِ وَنَظْمِ نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ وَالْإِفَادَاتِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وَهُوَ مِنْهَا.
قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: هُوَ اخْتِيَارُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ.
قَالَ فِي الْبُلْغَةِ هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ لِقَوْلِ عَائِشَةَ: «إذَا بَلَغَتْ الْمَرْأَةُ خَمْسِينَ سَنَةً خَرَجَتْ مِنْ حَدِّ الْحَيْضِ» وَعَنْهَا أَيْضًا «لَنْ تَرَى الْمَرْأَةُ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا بَعْدَ الْخَمْسِينَ» رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّالَنْجِيُّ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ نِسَاءِ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِنَّ. لِاسْتِوَائِهِنَّ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ، (وَاخْتَارَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (لَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ)، أَيْ: سِنِّ الْحَيْضِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ. (وَالْحَامِلُ لَا تَحِيضُ)، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فِي سَبْيِ أَوْطَاسٍ: لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ شَرِيكٍ الْقَاضِي فَجَعَلَ الْحَيْضَ عَلَمًا عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَهُ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَقِّ ابْنِ عُمَرَ لَمَّا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ «لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا» فَجَعَلَ الْحَمْلَ عَلَمًا عَلَى عَدَمِ الْحَيْضِ كَالطُّهْرِ، احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ. (فَلَا يَثْبُتُ لَهَا)- أَيْ: الْحَامِلِ- (وَلَا لِمَنْ جَاوَزَتْ خَمْسِينَ سَنَةً حُكْمُ حَائِضٍ) وَلَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ حَيْضُهَا عَنْ عَادَتِهَا الَّتِي كَانَتْ تَرَاهُ فِيهَا، فَلَا تَتْرُكُ الْعِبَادَةَ (بِدَمٍ تَرَاهُ)، لِأَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ لَا حَيْضٍ، وَلَا يُمْنَعُ زَوْجُهَا أَوْ سَيِّدُهَا وَطْأَهَا.
قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ: إنْ خَافَ الْعَنَتَ، أَيْ: مِنْهُ أَوْ مِنْهَا، إلَّا أَنْ تَرَاهُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فَهُوَ نِفَاسٌ، وَيَأْتِي. وَتَغْتَسِلُ الْحَامِلُ إذَا رَأَتْ دَمًا عِنْدَ انْقِطَاعِهِ نَصًّا اسْتِحْبَابًا لِلِاحْتِيَاطِ، وَخُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ. (وَأَقَلُّ حَيْضٍ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ)، لِقَوْلِ عَلِيٍّ، وَلِأَنَّ الشَّرْعَ عَلَّقَ عَلَى الْحَيْضِ أَحْكَامًا وَلَمْ يُبَيِّنْهُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ رَدَّهُ إلَى الْعُرْفِ كَالْقَبْضِ وَالْحَرْزِ، وَقَدْ وُجِدَ حَيْضٌ مُعْتَادٌ يَوْمًا، وَلَمْ يُوجَدْ أَقَلُّ مِنْهُ، قَالَ عَطَاءٌ: رَأَيْت مَنْ تَحِيضُ يَوْمًا لَا تَزِيدُهُ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْدِيُّ: كَانَ فِي نِسَائِنَا مَنْ تَحِيضُ، أَيْ: بِلَيْلَتِهِ، لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ إطْلَاقِ الْيَوْمِ، وَالْمُرَادُ مِقْدَارُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، أَيْ: أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ سَاعَةً، (فَلَوْ انْقَطَعَ) الدَّمُ (لِأَقَلَّ) مِنْ يَوْمٍ بِلَيْلَتِهِ، (فـَ) لَيْسَ بِحَيْضٍ، بَلْ هُوَ (دَمُ فَسَادٍ) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَأَكْثَرُهُ)- أَيْ: الْحَيْضِ- (خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) بِلَيَالِيِهِنَّ، لِقَوْلِ عَلِيٍّ مَا زَادَ عَلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ اسْتِحَاضَةٌ وَأَقَلُّ الْحَيْضِ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، قَالَ عَطَاءٌ: رَأَيْت مَنْ تَحِيضُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي سُنَنِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «النِّسَاءُ نَاقِصَاتُ عَقْلٍ وَدِينٍ، قِيلَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِهِنَّ؟ قَالَ: تَمْكُثُ إحْدَاهُنَّ شَطْرَ عُمُرِهَا لَا تُصَلِّي» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَمْ أَجِدْهُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: لَا يَثْبُتُ هَذَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَذَكَرَ ابْنُ الْمُنَجَّى أَنَّهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَهُوَ خَطَأٌ. (وَغَالِبُهُ)- أَيْ: الْحَيْضِ (سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ)، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ لَمَّا سَأَلَتْهُ «تَحِيضِي فِي عِلْمِ اللَّهِ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً أَوْ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَيَّامَهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُك وَكَذَلِكَ فَافْعَلِي فِي كُلِّ شَهْرٍ كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَيَطْهُرْنَ لِمِيقَاتِ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَاهُ، وَحَسَّنَهُ الْبُخَارِيُّ. (وَأَقَلُّ طُهْرٍ بَيْنَ حَيْضَتَيْنِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا)، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَاحْتَجَّ بِهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْهُ وَقَدْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، فَزَعَمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ فِي شَهْرٍ ثَلَاثَ حِيَضٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ لِشُرَيْحٍ: قُلْ فِيهَا، فَقَالَ شُرَيْحٌ: إنْ جَاءَتْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ بِطَانَةِ أَهْلِهَا مِمَّنْ يُرْجَى دِينُهُ وَأَمَانَتُهُ فَشَهِدَتْ بِذَلِكَ، وَإِلَّا: فَهِيَ كَاذِبَةٌ، فَقَالَ عَلِيٌّ: قالون- أَيْ: جَيِّدٌ بِالرُّومِيَّةِ- وَهَذَا لَا يَقُولُهُ إلَّا تَوْقِيفًا، وَهُوَ قَوْلُ صَحَابِيٍّ اشْتَهَرَ وَلَمْ يُعْلَمْ خِلَافُهُ، وَوُجُودُ ثَلَاثِ حِيَضٍ فِي شَهْرٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ طُهْرٌ صَحِيحٌ يَقِينًا، قَالَ أَحْمَدُ: لَا نَخْتَلِفُ أَنَّ الْعِدَّةَ يَصِحُّ أَنْ تَنْقَضِيَ فِي شَهْرٍ إذَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ. (وَأَقَلُّهُ)- أَيْ: الطُّهْرِ- (بِزَمَنِ حَيْضٍ)- أَيْ: فِي أَثْنَائِهِ- (حُصُولُ نَقَاءٍ خَالِصٍ بِأَنْ لَا تَتَغَيَّرَ قُطْنَةٌ احْتَشَتْ بِهَا)، طَالَ زَمَنُهُ أَوْ قَصُرَ، (وَلَا يُكْرَهُ وَطْؤُهَا)، أَيْ: مَنْ انْقَطَعَ دَمُهَا فِي أَثْنَاءِ عَادَتِهَا وَاغْتَسَلَتْ، (زَمَنَهُ)، أَيْ: زَمَنَ طُهْرِهَا فِي أَثْنَاءِ حَيْضِهَا، لِأَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ الْحَيْضَ بِكَوْنِهِ أَذًى، فَإِذَا انْقَطَعَ وَاغْتَسَلَتْ فَقَدْ زَالَ الْأَذَى. (وَغَالِبُهُ)- أَيْ: الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ- (بَقِيَّةُ الشَّهْرِ الْهِلَالِيِّ) بَعْدَ مَا حَاضَتْهُ مِنْهُ إذْ الْغَالِبُ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَحِيضُ فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَةً، فَمَنْ تَحِيضُ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً مِنْ الشَّهْرِ، فَغَالِبُ طُهْرِهَا: أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَوْ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا. (وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ)- أَيْ: الطُّهْرِ- لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ تَحْدِيدُهُ شَرْعًا. وَمِنْ النِّسَاءِ مَنْ تَحِيضُ الشَّهْرَ وَالثَّلَاثَ وَالسِّتَّةَ فَأَكْثَرَ، وَمِنْهُنَّ مَنْ لَا تَحِيضُ أَصْلًا.

.(فَرْعٌ): [هل تقضي الْحَائِضُ الصَّلَاةِ الَّتِي تَرَكَتْهَا أَيَّامَ حَيْضِهَا]:

(لَوْ أَحَبَّتْ حَائِضٌ قَضَاءَ الصَّلَاةِ) الَّتِي تَرَكَتْهَا أَيَّامَ حَيْضِهَا: (فَظَاهِرُ نَقْلِ الْأَثْرَمُ) عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: (الْمَنْعُ) مِنْ الْقَضَاءِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا مُسْتَحَبٍّ.